top of page
Search

أهل الحيل والألعاب السحرية في مصر والشام

ree

مراجعة كتاب

«أهل الحيل والألعاب السحرية في مصر والشام: عصري الأيوبيين والمماليك» – د. عمرو عبدالعزيز منير


يأتي هذا الكتاب كواحد من أوّل الدراسات العربية المتخصّصة في التاريخ الاجتماعي لفناني الحيل والألعاب السحرية في مصر والشام، في الفترة ما بين الأيوبيين والمماليك. بدل أن يتعامل مع السحر بوصفه “خرافة” أو “هامشًا طريفًا” في كتب التاريخ، يقرّبنا المؤلف من الناس الذين مارسوه بالفعل: الحرافيش، والمهمَّشون، وأهل المقاهي والأسواق الليلية، والجماعات التي عاشت على أطراف المدينة الرسمية.


ماذا يفعل الكتاب؟


  • يفتح لنا الباب على عالم الأسواق الساهرة والموالد والفرجة الشعبية؛ حيث كان المُمتهِنُ للحيل والألعاب السحرية جزءًا أساسيًا من برنامج التسلية الرخيص الذي يلجأ إليه الفقراء والطبقات الكادحة للهروب المؤقت من قسوة الحياة.

  • يركّز على مجتمع الحرافيش بوصفه موضوعًا مغيَّبًا في أغلب الكتابات العربية والأجنبية، ويحاول أن يرمّم الفجوة بين ما تخبرنا به المصادر الرسمية، وبين ما تشير إليه الدلالات الاجتماعية على وجود محترفين لهذا الفن.

  • يتابع المؤلف التحوّلات المتبادلة بين أهل الحيل وتحولات المجتمع نفسه؛ فكلما تبدّلت البنية الاقتصادية والسياسية للمدينة، تبدّلت معها وظيفة الساحر الشعبي ومكانته وحدود ما يقدّمه من عروض.

من الناحية المنهجية، يعتمد الكتاب على طيف واسع من المصادر: كتب التاريخ، وكتب الأدب، والحكايات الشعبية، وكتب الفقه التي تحدّثت عن الحيل والتمويه، إضافة إلى إشارات متناثرة في كتب التراث عن “أصحاب العجائب” و“أهل الشعوذة”. قوّة العمل أنه يلتقط هذه الفتات النصي ويعيد تركيبه في صورة لوحة اجتماعية متماسكة.


ما الذي يميّزه؟


  1. تحويل “الساحر الشعبي” إلى موضوع بحث جادلا يتعامل د. عمرو مع الساحر ككوميديا أو كخطر شيطاني، بل كعامل ثقافي وفنّي له وظيفة واضحة في البنية الاجتماعية. هذا وحده كفيل بأن يغيّر نظرتنا المعاصرة لفن الحيل الأدائية، ويمنحها جذورًا تاريخية محترمة.

  2. لغة تجمع بين البحث والسردالأسلوب أكاديمي منضبط، لكنّه لا يخلو من روح حكي تجعل القارئ يشعر أنه يتجوّل في الأسواق القديمة، يسمع مناداة اللاعبين، ويرى تداخل الفقر، والدهشة، والعنف الرمزي في تلك الفضاءات.

  3. تأريخ للثقافة “التحتيّة” يركّز الكتاب على ما يسمّيه المؤلف “الثقافة التحتية” للمجتمع؛ أي ما يجري في الأسفل، بعيدًا عن قصور السلاطين ومجالس العلماء: الشوارع، المقاهي، حلقات الفرجة، وعوالم المنبوذين. وهذا جانب قلّما يحظى بهذا القدر من العناية في الدراسات العربية المعاصرة.


بعض الملاحظات النقدية


  • كثافة المادة: الكتاب غني جدًا بالإحالات والمصادر، ما يجعله أحيانًا أقرب إلى دراسة أكاديمية متقدمة منه إلى كتاب مدخل للقارئ العام. من ليس له خلفية في التاريخ الوسيط قد يحتاج لقراءة بطيئة أو مرافقة بمصادر مساعدة لفهم السياق السياسي والزمني.


  • حدود الزمن والمكان: التركيز على عصري الأيوبيين والمماليك في مصر والشام مفيد من حيث العمق، لكنه يترك القارئ متشوقًا لفصول إضافية تربط ما قبل هذه الفترة وما بعدها (العثمانيون، ثم العصر الحديث)، أو تقارن مع تجارب مغربية/أندلسية مثلًا.


  • قلة الاشتغال على “تقنيات” العروض: الكتاب يهتم أكثر بالتاريخ الاجتماعي واللغوي والطبقي، وأقل بتفصيل آليات الخدع نفسها أو توصيف روتين العروض خطوة خطوة. قارئ فنون الحيل المعاصر الذي يبحث عن وصف تقني للحركات والأساليب سيجد إشارات مهمة، لكنها ليست محور العمل.


لمن هذا الكتاب؟


  • للباحثين في تاريخ السحر وفنون الفرجة في العالم العربي.


  • لفناني الحيل والمنتاليست اليوم، الذين يريدون أن يروا أنفسهم جزءًا من سلسلة تاريخية عميقة لا مجرد تقليد لمدرسة غربية.


  • لكل من يهتم بـ التاريخ الاجتماعي للمهمَّشين: الحرافيش، الفقراء، وأبناء ثقافة الشارع في العصور الوسطى.


الخلاصة


«أهل الحيل والألعاب السحرية في مصر والشام» ليس كتاب “طرائف” عن السحرة، بل عمل جاد يعيد الاعتبار لفنٍ ظلّ قرونًا محصورًا بين تهمة الشعوذة وسطحية الترفيه. يمنحنا د. عمرو عبدالعزيز منير عدسة جديدة نرى من خلالها فن الحيل الأدائية بوصفه مرآة للتاريخ، والمدينة، والطبقات المنسيّة.

 
 
 

Comments


الرئيسية

روابط سريعة:

مقالات عُجاب

جميع الحقوق محفوظة © عُجاب 2025

5.png

مورفيك آرتس

دار عبقر

نادي خِفّة

أكاديمية سراب

bottom of page