مستقبل الحيل الأدائية وفقًا لديفيد بلين
- Abdrahman Chergui
- 9h
- 3 min read

مقدّمة
هل ستقتل التكنولوجيا فن الحيل الأدائية؟
مع انتشار يوتيوب ومحركات البحث، صار من السهل أن يكتب أي شخص: “كيف أقطع امرأة إلى نصفين؟” ليجد عشرات الشروحات والفيديوهات. كثير من السحرة يخافون أن يؤدي هذا إلى نهاية السحر. لكن رؤية ديفيد بلين وغيره من روّاد الفن تشير إلى شيء مختلف تمامًا: المستقبل الحقيقي للسحر ليس في الأدوات، بل في الإنسان نفسه.
⸻
1. سرّ السحر: ليس في الباب السري
الفكرة الأساسية في المقال أن السرّ ليس في المصيدة أو الفتحة المخفية.
يمكن لأي شخص أن يتعلم التقنية، لكن ما يميّز الساحر هو قدرته على:
• التأثير في طريقة تفكيرك،
• استغلال الصور المسبقة في ذهنك عن العالم،
• وجعل دماغك هو الذي “يكمل الخدعة” من تلقاء نفسه.
أنت تظن أن تجربتك أثناء مشاهدة العرض فريدة، لكن الحقيقة أن عقولنا متشابهة إلى حد يسمح للساحر أن يبني عليها ويستغلها. هنا يكمن السحر النفسي الذي يفتح احتمالات لا نهائية.
⸻
2. الماضي بوابة المستقبل
المقال يعود بنا إلى الوراء:
أقدم الخدع الورقية التي سُجّلت في القرن الخامس عشر ما زالت قادرة على خداع الجمهور اليوم. التقنيات القديمة نفسها تُستخدم حتى الآن، لكن:
ما يتغيّر ليس السرّ بل طريقة تقديمه.
هاري هوديني في بدايات القرن العشرين لم يقدّم تكنولوجيا جديدة بقدر ما قدّم قصة جديدة: رجل في قميص نومٍ طبي يهرب من سترة المجانين وهو معلّق من ناطحة سحاب. ما خطف القلوب لم يكن القفل ولا المفاتيح، بل التوتر العاطفي والخوف والأمل في عيون المتفرجين.
⸻
3. السحر كتطبيق للعلم… والنفس
على مرّ التاريخ استغل السحرة العلم قبل أن يصبح علمًا جماهيريًا:
• كهنة استعملوا ما يشبه “الفانوس السحري” قبل أن يتحول إلى جهاز عرض شرائح.
• جان أوجين روبرت-هودان استخدم الكهرومغناطيسية ليُظهر للجمهور أنه قادر بقوة الإرادة وحدها أن يمنع أقوى الرجال من رفع صندوق صغير، بينما يستطيع طفل أن يرفعه بسهولة.
هنا يطرح المقال فكرة مهمّة:
الساحر الناجح يستعير من المستقبل؛ يستخدم ما لم يتعوّد الناس عليه بعد، فيبدو كأنه خارق للطبيعة. ومع الوقت تنكشف التقنية، لكن يبقى الدرس:
السحر كان دائمًا في مقدمة التقدم العلمي، ثم يترك المكان للعلوم “الرسمية” لِتُكمل الرحلة.
⸻
4. هل يقتل كشف الأسرار سحر الحيل الأدائية؟
منذ القرن التاسع عشر بدأ نشر أسرار السحر في الكتب ومجلات الأولاد. كثير من السحرة خافوا أن هذا سينهي الفن. لكن ما حدث كان العكس تمامًا:
• الكتب ألهمت الأطفال والفضوليين،
• بعضهم أصبحوا سحرة محترفين،
• ودخل الفن في فترة ذهبية من الانتشار.
يقارن المقال هذا بما يحدث اليوم على يوتيوب:
نعم، يمكنك أن تجد شروحات كثيرة، لكن السرّ الحقيقي لا يُرفع بالفيديو.
السر يكمن في:
• شخصيتك على المسرح،
• فهمك للجمهور،
• قدرتك على إعادة اختراع العرض نفسه.
بكلمة واحدة: السر هو “كيف”، لا “ماذا”.
⸻
5. كلّه في العقل: فن فهم البشر
في جزء “All in the mind” يؤكد الكاتب أن:
• السحرة يؤثّرون على ما نفكّر فيه عبر تحريك الصور الجاهزة داخل عقولنا.
• كل شخص يظن أن تجربته فردية، لكن النماذج الذهنية متشابهة بما يكفي لتُستغل.
مع تطوّر التكنولوجيا يصبح من الصعب أن تسبق الجمهور بجهاز أو أداة،
لكن يظل لديك سلاح لا يُستهلك: علم النفس.
المستقبل ليس لمن يمتلك أذكى جهاز، بل لمن يفهم الناس بعمق أكبر.
الساحر في هذا العصر يشبه “مصمم التجربة” أو “الطبيب النفسي للدهشة”:
يفهم التوقعات، الانطباعات الأولى، لغة الجسد، واللحظة المناسبة للتركيز أو الإلهاء.
⸻
6. ما الذي يعنيه هذا لمستقبل فن الحيل الأدائية في عُجاب؟
يمكن تلخيص رؤية المقال في ثلاث نقاط تشكّل فلسفة جميلة لعُجاب:
1. التراث مصدر قوّة لا ديكور
دراسة تاريخ الحيل والألعاب السحرية – مثل كتاب «أهل الحيل والألعاب السحرية في مصر والشام» – ليست ترفًا؛ هي طريقة لفهم كيف اشتغلت الخدعة على عقول البشر لقرون، وكيف نستطيع إعادة تقديمها اليوم بروح جديدة.
2. السحر حوار مع الجمهور، لا استعراض على الجمهور
التقنية يمكن أن تُشترى، لكن العلاقة تُبنى:
اختيار الكلمات، الإيقاع، الصمت، النظرة، الضحكة… كلها أجزاء من السرّ.
3. المستقبل للذين يجمعون بين العلم والإنسان
قد يستعمل الساحر تقنيات الواقع المعزّز، أو الذكاء الاصطناعي، أو أجهزة مخفية،
لكن ما يميزه حقًا هو فهمه للشعور الإنساني: الخوف، الفضول، الأمل، الحاجة إلى الإيمان بأن هناك شيئًا “أكبر من المنطق”.
⸻
خاتمة
لا توجد تقنية قادرة على قتل رغبة الإنسان في أن يُدهش.
هذا هو الجوهر الذي يراهن عليه المقال، وهذا هو القلب الذي يمكن لعُجاب أن يبني عليه رؤيته:
مهما تغيّرت الأدوات، سيظل فن الحيل الأدائية فنًّا لفهم البشر، قبل أن يكون فنًّا لإخفاء الأشياء




Comments