top of page
Search

رحلة فنان عربي من مصر إلى لاس فيجاس

ree

في ذاكرة فن الحيل الأدائية في القرن العشرين يلمع اسمٌ عربيّ وصل صداه إلى أضواء نيويورك ولاس فيجاس: محجوب محمد حنفي، المعروف عالميًا باسم Luxor Gali-Gali. وُلِد في بورسعيد سنة 1902، في عائلة اشتغلت بفن الخداع البصري لثمانية أجيال متتالية، وكان لقب “جالي جالي” يُتوارث بينهم ويعني بالتركية “سريعًا سريعًا”.


من مراكب النيل إلى عواصم أوروبا بدأ محجوب حياته الفنية على المراكب النيلية وسفن قناة السويس؛ يقدّم خدعه للركّاب والسياح في فضاءات ضيقة ولكن مليئة بالدهشة. في أواخر العشرينيات تعرّف على الأمير المصري محمد علي إبراهيم الذي نصحه بالرحيل إلى باريس، وزوّده برسائل توصية فتحت له أبواب العروض في أوروبا.

في العواصم الأوروبية صقل شخصيته المسرحية: الجلباب المصري، الطربوش الأحمر، والابتسامة الهادئة التي تخفي خلفها سرعة يد مذهلة. هناك اكتمل تكوين شخصية “الساحر المصري” التي سيحملها معه لاحقًا إلى أمريكا.


الهجرة إلى أمريكا وبداية الأسطورة


عام 1934 تقريبًا وصل جالي جالي إلى نيويورك، وبدأ يقدّم عروضه في النوادي الليلية الشهيرة مثل Rainbow Grill، حيث أثارت فكرته غير المألوفة ضجة كبيرة:روتين الكؤوس والكرات التقليدي، لكن مع نهاية انفجارية يُنتج فيها الساحر فراخًا حية صغيرة بدل الكرات!

سرعان ما أصبح أحد أشهر الوجوه في الملاهي الأمريكية؛ كتبت عنه مجلة The New Yorker تقريرًا شهيرًا بعنوان Quickly, Chicks تصف فيه كيف تتساقط الكتاكيت من جيوب وزراير ملابس الزبائن في القاعة، وكيف يحتفظ بها في صندوق بداخل حمّام غرفته حتى نهاية الأسبوع، ثم يهديها لأصدقاء يتحولون – بحكم الأمر الواقع – إلى مزارعي دجاج.

في سنة 1944 حصل محجوب حنفي على الجنسية الأمريكية، ومع الخمسينيات بدأت موجة ظهوره التلفزيوني، خصوصًا في برنامج Ed Sullivan’s Toast of the Town، ليصبح أحد الوجوه العربية القليلة التي عرفتها شاشات التلفزيون الأمريكي في ذلك الزمن.

من نيويورك إلى صحراء النيون – الاستقرار في لاس فيجاس

مع صعود لاس فيجاس كعاصمة لعروض السحر والاستعراض، وجد جالي جالي نفسه جزءًا طبيعيًا من هذا المشهد الجديد. في منتصف الخمسينيات تقريبًا، انتقل مع أسرته للإقامة في المدينة “التي لا تنام”، لأن أغلب عروضه وعقوده أصبحت هناك.

في فيجاس قدّم عروضه في عدة فنادق وكازينوهات، واستقرّ لقبه الفني على Luxor Gali-Gali، وكأن القدر يربط بين الساحر المصري واسم معبد الأقصر العريق. كانت صورته – بالجلباب والكتاكيت التي تخرج من كل مكان – جزءًا من ذاكرة المدينة قبل ظهور عروض السحر الضخمة في عصر سيغفريد وروي وديفيد كوبرفيلد.

توفّي محجوب حنفي في لاس فيجاس سنة 1984، بعد رحلة امتدت لأكثر من نصف قرن من العروض عبر النيل، وأوروبا، ونيويورك، وصولًا إلى صحراء نيفادا المضيئة.

لماذا يهمّنا “جالي جالي” اليوم؟

  1. ساحر عربي عالمي جالي جالي مثال مبكر لفنان عربي استطاع أن يطوّع جذوره الشعبية ولغته البصرية الشرقية ليصل إلى جمهور عالمي دون أن يتخلّى عن هويته.

  2. إعادة اختراع الكلاسيكيات روتين الكؤوس والكرات من أقدم الروتينات في تاريخ السحر، لكن محجوب حنفي حوّله إلى تجربة قصصية كاملة تنتهي بانفجار من الحياة – كتاكيت حيّة تملأ المسرح – فصار توقيعه الخاص الذي يَذكره كل من شاهده.

  3. جسر بين التراث والحداثة عاشت عائلة جالي جالي ثمانية أجيال في ممارسة الحيل، من الأزقة والأسواق في مصر إلى أضواء الكازينوهات في أمريكا. قصته تجسّد انتقال فن الحيلة من الفضاء الشعبي التقليدي إلى صناعة الترفيه الحديثة.

  4. إلهام للسحرة العرب اليوم بالنسبة لمشروع عُجاب، يمثل جالي جالي دليلًا عمليًا على أن الحيل العربية ليست مجرد فلكلور منسي؛ بل يمكن إعادة إحيائها وتطويرها لتخاطب العالم كله، تمامًا كما فعل هو بكلمة “سريعًا سريعًا” التي تحوّلت إلى اسمٍ فنيّ خالِد.

 
 
 

Comments


الرئيسية

روابط سريعة:

مقالات عُجاب

جميع الحقوق محفوظة © عُجاب 2025

5.png

مورفيك آرتس

دار عبقر

نادي خِفّة

أكاديمية سراب

bottom of page